[size=9]ذكر الله سبحانه و تعالى أن ليلة القدر خير من ألف شهر، و معنى ذلك أنالصلاة فيها أفضل من الصلاة في ألف شهر، و العمل فيها أفضل من العمل في ألفشهر.روي أنه صلى الله عليه و سلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل حمل السلاحألف شهر، فتعجب من ذلك الصحابة رضي الله عنهم و قالوا: كيف تبلغ أعمارهم إلى ذلك؟فأنزل الله هذه الليلة -أي ليلة القدر- حيث العبادة فيها خير من الألف شهر التي حملفيها ذلك الإسرائيلي السلاح في سبيل الله. ذكره ابن رجب و غيره. و على كل حال فإنهذا فضل عظيم.و من فضل ليلة القدر أيضاً أنها سبب لغفران الذنوب، و أن من حُرمخيرها فقد حرم.
قيام ليلة القدر يحصل بصلاة ما تيسر منها، فإن من قام مع الإمام أولالليل أو آخره حتى ينصرف كتب من القائمين. و قد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم صلىليلة مع أصحابه أو بأصحابه، فلما انصرفوا نصف الليل قالوا: لو نفلتنا بقية ليلتنا،فقال: "إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة". رواه أحمد و غيره،و كان أحمد يعمل به. و قولهم: (لو نفلتنا ليلتنا): يعني لو أكملت لنا قيامليلتنا و زدنا في الصلاة حتى نصليها كاملة، و لكنه صلى الله عليه و سلم بشرهم بهذهالبشارة، و هي أنه من قام و صلى مع الإمام حتى يكمل الإمام صلاته، كتب له قيامليلة. فإذا صلَّى المرء مع الإمام أول الليل و آخره حتى ينصرف كتب له قيام تلكالليلة، فحظي منها بما يسر الله، و كتب من القائمين، هذا هو القيام.
و قيام ليلة القدر يكون إيماناً و احتساباً كما في قول النبي صلى اللهعليه و سلم: "إيماناً و احتساباً". و الإيمان هو: التصديق بفضلها، و التصديقبمشروعية العمل فيها. و العمل المشروع فيها هو الصلاة، و القراءة، و الدعاء، والابتهال، و الخشوع، و نحو ذلك.. فإن عليك أن تؤمن بأن الله أمر به، و شرعه، و رغبفيه، فمشروعيته متأكدة. و إيمان المرء بذلك تصديقه بأن الله أمر به، و أنه يثيبعليه. و أما الاحتساب: فمعناه خلوص النية، و صدق الطوية، بحيث لا يكون في قلبه شك ولا تردد، و بحيث لا يريد من صلاته، و لا من قيامه شيئاً من حطام الدنيا، و لا شيئاًمن المدح، و لا الثناء عليه، و لا يريد مراءاة الناس ليروه، و لا يمدحوه و يثنواعليه، إنما يريد أجره من الله تعالى، فهذا هو معنى قول الرسول صلى الله عليه و سلم: "إيماناً و احتساباً".
و أما غفران الذنوب فإنه مقيد في بعض الروايات بغفران الخطايا التي دونالكبائر، أما الكبائر فلابد لها من التوبة النصوح، فالكبائر يجب أن يتوب الإنسانمنها، و يقلع عنها و يندم. أما الصغائر فإن الله يمحوها عن العبد بمثل هذه الأعمال،و المحافظة عليها، و منها: صيام رمضان، و قيامه، و قيام هذه الليلة.
و يستحب كثرة الدعاء في هذه الليلة المباركة، لأنه مظنة الإجابة، و يكثرمن طلب العفو والعافية كما ثبت ذلك في بعض الأحاديث، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟، قال: "قولي: اللهمإنك عفوٌ كريم تُحب العفو فاعف عني". و العفو معناه: التجاوز عن الخطايا، و معناه: طلب ستر الذنوب، و محوها و إزالة أثرها، و ذلك دليل على أن الإنسان مهما عمل، ومهما أكثر من الحسنات فإنه محل للتقصير، فيطلب العفو فيقول: يا رب اعف عني. يا ربأسألك العفو. و قد كثرت الأدعية في سؤال العفو، فمن ذلك دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "اللهم إني أسألك العفو و العافية، و المعافاة الدائمة في الدين والدنيا و الآخرة". و كان بعض السلف يدعو فيقول: "اللهم ارض عنا، فإن لم ترض عنا،فاعف عنا".
وليلة القدر قد ترى بالعين لمن وفقه الله سبحانه وذلك برؤية أماراتها ،وكان الصحابة رضي الله عنهم يستدلون عليهما بعلامات ولكن عدم رؤيتها لا يمنع حصولفضلها لمن قامها إيمانا واحتسابا .فينبغي للمسلم أن يجتهد في تحريها في العشرالأواخر من رمضان كما أمر النبي صلى الله عليه وسلموقد ثبت عن النبي صلى اللهعليه وسلم ما يدل على أن من علاماتها طلوع الشمس صبيحتها لا شعاع لها ، وكان أبي بنكعب يقسم على أنها ليلة سبع وعشرين ويستدل بهذه العلامة ، والراجح أنها متنقلة فيليالي العشر كلها ، وأوتارها أحرى ، وليلة سبع وعشرين آكد الأوتار في ذلك ، ومناجتهد في العشر كلها في الصلاة والقرآن والدعاء وغير ذلك من وجوه الخير أدرك ليلةالقدر بلا شك وفاز بما وعد الله به من قامها إذا فعل ذلك إيمانا واحتسابا.
اللهم اجعلنا من الذين يفوزون بالطاعه والعتق من النار في ليله القدر اللهك فرج عن المسلمين اجمعين,[/size]